اليهود هم اليهود، نقضة العهود، وقتلة الأنبياء، وفي كل زمان ومكان حالهم مع المسلمين حقد وحسد، وغدر وإيذاء، وهم ليسوا أصحاب حرب.
بل أهل دس ومؤامرة. . ومن ذلك أنهم لما رأوا نصر الله للمؤمنين في خيبر، تآمروا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأهدوا إليه شاة مسمومة لمحاولة قتله. .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه ـ قال: (لما فُتِحت خيبر، أُهْدِيَت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادِقيَّ عنه؟
فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أبوكم؟، قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذبتم بل أبوكم فلان، فقالوا: صدقت وبررت.
فقال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أهل النار؟، فقالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا.
ثم قال لهم: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟، قالوا: نعم، فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سما؟، فقالوا: نعم، فقال: ما حملكم على ذلك؟، فقالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك) (البخاري) .
وفي السيرة النبوية لابن هشام قال: ". . فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقيل لها: الذراع فأكثرت فيها من السم، ثم سمَّت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بِشر بن البراء بن معرور.
قد أخذ منها كما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملكِ على ذلك؟ ، قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلتُ: إن كان مَلِكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيُخْبر. . قال: فتجاوز عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومات بشر من أكلته التي أكل ". .
قال ابن القيم في زاد المعاد: " وجيء بالمرأة إلى رسول الله، فقالت: أردت قتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك عليَّ، قالوا: ألا تقتلها؟، قال: لا، ولم يتعرض لها، ولم يعاقبها، واحتجم على الكاهل، وأمر من أكل منها فاحتجم، فمات بعضهم ". .
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تجاوز عنها أولا، فلما مات بِشر قتلها به قصاصا. .
وقد عفا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذه المرأة اليهودية التي حاولت قتله بالسم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا ينتقم لنفسه، كما قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في وصفه: (مَا خُيِّرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى) (البخاري) .
لقد لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعدائه كثير الأذى، وعظيم الشدة والمكائد، منذ جهر بدعوته، ولكن الله تبارك وتعالى حفظه وعصمه من الناس، وقصة الشاة المسمومة صورة من صور حفظ الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تنفيذا لوعده سبحانه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: من الآية67) . .
قال النووي في شرحه للحديث: " فيه بيان عصمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس كلهم، كما قال الله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: من الآية67)، وهي معجزة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سلامته مِن السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منه له، فقد جاء في غير مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن الذراع تخبرني أنها مسمومة) ".
وقال الحافظ ابن حجر: ". . وفي الحديث إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الغيب، وتكليم الجماد له، ومعاندة اليهود لاعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم، وبما وقع منهم من دسيسة السم، ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه. . ".
وظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاوده ألم السم حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرض موته الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري (عرق متصل بالقلب) من ذلك السم) (البخاري) . .
لقد أظهرت قصة الشاة المسمومة حقيقة ثابتة، وهي أن اليهود هم اليهود، على مر التاريخ والعصور، ومنذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا، دأبهم دائما الخيانة والغدر والتآمر، وهم مصدر خطر كبير وشر مستطير على الإسلام والمسلمين، ينبغي التنبه له ومواجهته. . فهل نتعلم من تاريخهم مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين؟ ! ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (قّ: 37) . .
المصدر: موقع إسلام ويب